السبت، 25 أكتوبر 2014

شُكرًا يا زَهرَةَ الماءِ العَذبِ..

عَيناها قَد سَرَدَتا قِصَّتَها.. عَيناها تَحْكِيانِ كُلَّ شَيْءٍ.

ملامِحُها الحادَّة رُغم صِغَرِ سِنِّها؛ تُخفِيانِ معاني الأَلَمِ و الحاجةِ و البُؤسِ تَناقُضاً على ابتِسامَتِها العَفوِيَّةِ المُفعَمَةِ بِالأَمَل-مع أنّها لم تَبتَسِم إلا أنّني لَمِحتُ حَرَكَةً على شَفَتَيها اللتين خَبَّأتا قِصَّةً مُؤلِمَةً- وَ كَأنَّ ملامِحُها كَبيرةٌ رُغمَ صِغَرِها، تقاسيمُ وَجهِها أذهَلَتنِي بِما فيها مِن بَراءَةٍ كَبيرَةٍ مَلئَى بالمَشاعِرِ مفعَمَةٌ بِالإحساسِ..
آهٍ يا شَربات جولا.. يا زَهرَةَ الماءِ العَذبِ.. آهٍ أيَّتُها الموناليزا الأفغانِيَّة.. يا ذاتَ العَينَينِ السَّاحِرَتَينِ.. ماذا أترُك و ماذا أقول؟!
كيفَ أُخرِجُ كَلِماتي المَكبوتَةُ بِداخِلِي اللتي أخفَتها أحاسيسي؟؟
إنني مِثلُكِ أعجَزُ عَنِ البوحِ بعضَ الأحيانِ و كَأَنَّ لِسانيَ معقودٌ!!
لقد حرَّكتي مشاعِرِي و أثَرتِي الإنسانِيَّةَ الكامِنَةَ بِداخِلي!!
أعلَمُ بِما كُنتي تشعُرينَ بِهِ عَزيزَتِي.. أشعُرُ حَقًّا بِألَمِكِ حِينَ يَتعَدَّى أحَدٌ على حُقوقِك.. رُبَّما عانيتِ الكَثير.. أكثَرُ مِمَّا نَظُنُّ.. و لَكِنَّنا نَشعُرُ بِكِ-أو بِالأحرى أنا أشعُرُ بِكِ- وَ نُصَدِّقُكِ..

عِندَما يَتَمَرَّدُ أحَدٌ على حَياتِكَ أو حُقوقِكَ أو وَطَنكَ أو عائِلَتكَ أو كُلَّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِكَ؛ وَقتَها سَتَستَشعِرُ قِمَةَ وقوعِكَ في مِثلِ هذا الحالِ!!
فالإلَهُ يَختَبِرُ طاقَتَكَ على الثَّباتِ و الحَزمِ و يُريدُ مِنكَ مُحارَبَةَ جُبنِكَ بِشجاعَتِكْ.. الإلَهُ غيرُ ظالِمٌ.. إنَّهُ يُحِبُّكَ فَلِذَلِكَ جَعَلَ حالَكَ هَكذا..

اِرفَعِي رَأسَكِ عالِياً شَربات.. فَأَنتِي قُدوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن يَدَّعِي الشَّجاعة.. فَكُلُّ مَن يَرى صورَتَكِ يشعُرُ بِالعَجزِ المُبالَغ فِيه.. و تَملَأُهُ عَلامات الحُزنِ رُبَّما.. لِأَنَّهُ لم يَفعَل شَيئًا يُخَلِّدُهُ في حَياتِه و لَم يَملَأْها سِوى بِاليَأْسِ و بَعْضِ خَيباتِ الأمَلِ المُتتالِيَةِ.. صَحيحٌ أنَّ مَلامِحَكِ تُدَلِّلُ على البؤسِ و لَكِنَّ جَمالَكِ أخفى ذَلِكَ كُلَّهُ.. أتدرينَ أنَّنِي حين رُؤيَتي لِلَوحَةٍ لَكِ في إحدى الأركانِ الصَّغيرَةِ تَصَنَّمتُ أمامَها و في جَوفِي تَدورُ الكَلِماتُ مُصارِعَةً و مُناقِضَةً تارَّةً لِأحاسِيسي إلى وَقتِ إغلاقِ ذلِكَ الرُّكنِ الصَّغيرِ!! أُعجِبتُ حَقًّا بإبداعِ ذاكَ الرَّسامِ كيف رسَمَ تِلكَ التَّفاصيلِ الدَّقيقَةِ بِمرونَةٍ و عَفَوِيَّةٍ مُبالغةٍ فِيها!! استَهوَتنِي تلكَ اللوحَةُ حقًّا..
 و رَغِبتُ في أن أقولَ لَكِ كصَدِقَةٍ لا تَعرِفِينَها: شُكرًا مِنَ القَلبِ، فَلَقَد خَلَّدتِي أثَرًا في أعماقِي غَيَّرَ بَعضًا مِنِّي.. شُكرًا يا زَهرَةَ الماءِ العَذبِ!!

الأحد، 6 أبريل 2014

حَنين..

لازِلتُ أشعُرُ بِذاتِ الشعور، لم يَتَغَيَّر شيء مُنذُ أن وصلتُ إلى هُنا، شيءٌ ما كان يَنقُصُني، تَعِبتُ و أنا أفَكِّرُ جاهِداً لِمَعرفَةِ ما هُوَ، لم أهتَم، حاولتُ أن أتناسى ذاكَ الشعور كي أهنأ بِالعَيشِ هُنا-في رُبوعِ إيطاليا-بِلا تفكيرٍ زائِدٍ عن اللزوم، و لَكِن مُحاوَلاتي دائِماً ما تَفشَل-كالمُعتاد-و أضطَرُّ أن أجلس في تِلكَ الحَديقةِ الجميلة أتَأمَّلُ ما بِها مِن خَيراتٍ كَثيرة و أخاطِب نَفسِي:"ما الذي جرى، مُنذُ أن وصلتُ إلى هُنا و أنا في هَذِهِ الحال، لقَد كُنتُ مُختَلِفاً في بِلادي" فاجَأنِي صديقي بِقولِهِ:"ما بِكَ يا حُسام؟ دائِماً ما تَسرح فَجأة، أينَ تُسافِرُ بِأفكارِك؟؟"
-آه يا أخي، مَضت سَنواتٌ عَلى هَذِه الحال مَتى سَنرجع إلى حَيثُ نَنتَمِي سَئِمتُ العَيشَ هُنا، أشعُرُ بالغُربة أحِنُّ إلى ذاكَ الوَطَن الذي لم أسْتَشعِر قيمتهُ إلا حِينَ بُعدِي عنه.
-صبراً يا صاح بَقِيَ لنا شهرٌ لِنُفارِقَ الاغتِراب.
لقد كُنتُ أستهينُ ببِلادي و أراها عديمَة الفائِدة، و لكِن عِندما خُضتُ تَجرِبَتي هذه نحوَ الاغتِراب؛ تَغَيَّرَت كُلُّ أفكارِي !!
لم أكُن أعلَم أن تفكِيري سيَتَغَيَّر لِهَذِهِ الدّرجة !!
أدركتُ أنني كُنتُ دَوماً على خطأ !!
صحيحٌ أنَّ بَلَدي لَيسَت مِثلَ الدوَلِ الغَنِيَّةِ و المُتَطوّرة؛ و لَكِن أخلاق شعبِها عالية و مبادِئهُم تتبَع الإسلام، عَكس هذِه الدول التي تستحقر العَرَب و تنظُر إليهم نظرَةَ كُرهٍ و بغضٍ شديدَين !!
لا أشعُرُ بِالأمانِ هُنا عكس ما كُنتُ في بَلَدِي..
تَذَكّرتُ حينَما كُنتُ فِي المرحلة الإعداديّة و الثانوية كيفَ كُنتُ أكرهُ كَونِي جُزءاً مِن بَلَدٍ كَهَذِه !!
كُنتُ أغضبُ لِأنّني لَستُ مواطِناً من دَولَةٍ أجنَبِيّةٍ مُتَحَضّرة !!
و لكِن الزمان قد علّمني و أراني ما كُنتُ لا أريد في أن أراه !!
أظهَرَ لي نظرتهم لنا و نظرتنا لهم و الاختِلاف الشاسع بين الاثنين.
-أتعلم أننا أفضل شَعبٍ في العالم؟
-بِالطبع يا سامر.
-إذاً لِمَ كان رأيُكَ مُختَلِفاً سابِقاً؟
-الحَياةُ تُثبِتُ لنا عكس ما نقول.
-بِرَأيك ما الوطنية؟
- شمس نهارية ونجوم ليلية.

الأربعاء، 19 مارس 2014

القلادة



تأملت ذلك الدرج المفتوح ,لم أرَ ما يحتويه منذ زمن بعيد. إنه يحوي على الحلو والمر من الذكريات, أخرجت كل شيء موجود بداخله , فلمحتُ بين تِلكَ الأشياء دفتراً صغيراً كنت أكتب فيه مذكراتي ومرفق معه حقيبة صغيرة بداخلها صدفة جميلة الشكل , ولكن من الواضح أن جزءا منها مفقود , تذكرت قصة الصدفة ، إنها من أجمل القصص التي حدثت معي , فأمسكت بالصدفة و جلست أقلبها وأتأملها فذهبت بأفكاري إلى مكان آخر. آه لقد كان يوما مليئا بالأحداث الكثيرة , ولكنها أيام ويمكن أن تصل لأسابيع , لقد كنت في مشاكل كثيرة في عملي , و لن أنسَ السيد فريد الذي كان يكرهني كرها و كان دائما ما يوقعني في المشاكل ويظلمني وبسببه كدت أن أسجن لولا أن صديقي وصاحبي الوفي كمال ساعدني ووقف معي ولم يتركني ولو للحظة واحدة. وأذكر يوما جاءني وقال لي كلاما قطع قلبي . لقد قال لي لا أريد سماع أية كلمة منك اذهب من هنا ولا ترسل لي أية رسالة ولا تقف على عتبة باب منزلي أفهمت ما أقوله لك يا سامر  , في ذلك الوقت تحجرت في مكاني ولم أستطع الإدلاء برأيي ولا التحدث بشيء فأجبته بمرارة : "أنت صاحبي وقد وقفت معي في السراء والضراء ,أنت صديقي وقد ساعدتني وإن لم أطالبك بذلك و أنت بحسبة أخي الذي يقلق بشأني ولا ينام مطمئنا إلا إذا عرف أنني بخير , فلِمَ تريد قطع حبل الصداقة بيننا إلى نصفين" , أجابني والدموع ملء عينيه "ولكن أنا أفعل ذلك لأجلك يا أخي و  أفعل ذلك لمصلحتك أنت ,فلأي سبب أقطع حبل الصداقة, فقط إفعل ما آمرك به" أجبته قائلا: "سأفعل ماتقوله لي ولن تعرف مقدار الحزن الذي سأعيشه بدونك ولكن أريد معرفة الذي جرى معك ؟" أجابني وهو يبصر اللوحة الموجودة فوق المدفأة: "أنا أعرف شعورك وأقدر حزنك , وستعرف كل شيء عندما يأتي الوقت المناسب. سأتركك الأن وسآتي بعد قليل لأخذك إلى أحد المطاعم لكي لا تعتقد بأنني سأتخلى عنك إلى الأبد" أجبته قائلا: "حسنا" انتهى النقاش بيننا فذهب كمال وعاد بعد قليل مثل ما وعدني أخذني إلى أحد المطاعم ولم أفتح معه الموضوع الذي تحدثنا فيه لكي لا أشعره بظلمه ، ظللت يومين وأنا أفكر في مجرى آخر الأحداث التي جرت معي ومع صديقي , فلم أتذكر أنه حدث أمر جعل صديقي يقول لي ما قاله. إنه أمر عجيب فليس من عادته أن يتصرف أو يقول لي ماقاله بذلك الأسلوب ، فجأة وصلتني رسالة غريبة من قبل شخص غريب. تفاجأت ولم أدرِ ممن هذه الرسالة الغريبة , قرأت مايحتويها ، إنها رسالة تهديد أنه إذا لم أكف عن المشاكل سيسقط الفرخ في الفخ!! منذ متى وأنا أصنع المشاكل ، يبدو أن فريدا يريد أن يتصنع المشكلة. بعد قليل جاء كمال مرتبكا , قلت له: "ما الذي جرى معك ياصديقي" ، أجابني والقلق واضح في عينيه: "لا أدري ماذا أقول, لقد فعل فريد ما برأسه" ، أجبته مندهشا: "فريد!! ما الذي فعله هذا الرجل مرة أخرى" ، أجابني قائلا: "لقد قام فريد بتزوير أوراق المحكمة وبدأ هجومه على مجموعة شركاتنا عن طريق التزوير وقام بالتجسس على أعمالنا ومخططاتنا لأخذها لتطوير شركاته باستخدام خططنا" ، اندهشت وقلت: "تبا , كيف يفعل ذلك ، ماالذي سنفعله الآن" ، لم يرد علي وذهب بدون أن ينطق بشيء وذهبت مباشرة لأتفقد أمر الشركات واندهشت عندما قيل لي أن المشكلة قد انحلت وأن المحكمة قد أمرت بسجن مسبب المشاكل هنا عرفت أن كمال يريد مساعدتي ، إنها حقا مساعدة عظيمة فلولاه لكانت حياتي قد تدمرت فعملي هو مكسب رزقي , ذهبت لكمال فشكرته وجلسنا نتحدث قليلا فبعد مدة لاحظت تغير ملامح كمال وفجأة قال لي: "لن أستطيع أن أخبئ عنك ماحدث طيلة هذه المدة , سأبوح لك بشيء مهم" أجبته قائلا: "حسنا تفضل" تنهد , ثم قام يسرد ماحدث قائلا: "ذات يوم وصلتني رسالة تهديد من مجهول يريدني أن أقتلك وإذا لم أفعل ذلك سيقتلني وسيبدأ بمضايقتك والبدء بالمشاكل وأنا أهم شيء عندي الصداقة , فأنا شخص أحب أن أمتلك أصدقاء مثلك. فذهبت إلى مرسل الرسالة واتضح أنه فريد وهذه إحدى ألاعيبه ولكنه جاد للمرة الأولى، في ذلك الحين ضحيت بالأموال والشركات من أجل أن لا أقتلك أي من أجل صداقتنا لا تحسب أنني بعتها له لا بل جعلته مديراً فحسب ولكنني لن أعتقد أنه سيستغل هذه الفرصة بالشكل الصائب و حدث ما حدث)) بعد ذلك ذهبنا لنجلس قرب الشاطئ فأحضرت صدفة جميلة كبيرة وقطعتها الى نصفين وأدخلت في القطعة الاولى خيطا والثانية خيطا وقدمت واحدة منها لكمال واحتفظت بالأخرى وقلت له: "هذه هي قلادة الصداقة" وأفقت من أفكاري كلها على صوت الجرس فذهبت لأتفقد من القادم وكان كمال و قد رأى الصدفة وكل شيء خارج الدرج وسألني عن الذي يحدث فأخبرته أنني سافرت بأفكاري لمكان آخر.

الحدث المريب

(( اغربي عن وجهي،اذهبي من هنا )) هذا ما سمعته في ذلك اليوم الذي و كأنه حلم،ذهب بوجهٍ غاضب، حاولت أن أهدئ من روعه؛ و لكنه لم يستمع لكلامي، ((تعال يا أخي سالم تعال لا تكن عصبياَّ هدئ من روعك)) لَم يستمع إليَّ،إنه غاضب مني. ماذا أفعل؟ أخاف أن لا يكلمني بعد هذا اليوم. ذهبتُ إلى السوق القريب من المنزل؛ سمعت الناس يتحدثون و تعابير وجههم تدل على حدوثِ حَدَثٍ مريبٍ، لم أهتم بهم. ذهبت إلى محل الخياطة؛ لاحظت التعابير نفسها على وجوههم فلم أهتم بهم. في طريقي للرجوع إلى المنزل، لمحتُ حشداً كبيراً من الناسِ؛ ما هذا؟ سيارات الإسعاف و سيارات الشرطة تملأ  المكان! سأذهب لتفقد الأمر.
-      - ما الذي يحدث هنا يا جماعة الخير؟
-     -  شابٌّ متهورٌّ قادَ بسرعةٍ و تجاوز الإشارة الحمراء مما أدى إلى اصطدامه بسيارة كبيرة، و هو الآن في حالة يرثى لها هذا ما قاله لنا الشرطي يا آنسة.
أحببت أن أساهم في إنقاذ الأرواح، و من حسن الحظ أني طبيبة ماهرة، فذهبت إلى الشرطي و طلبت منه إذناً للذهابِ إلى المستشفى، فأذنوا لي لأن الطبيب لم يأتي. عند وصولنا إلى المستشفى؛ و في قسم الطوارئ، شاهدتُ أطفالاً لا يمشون، لا يبصرون، فقدوا يداً، فقدوا رجلاً، أُصيبوا بالشلل، و نساءٌ بمثل حالتهم، و كبار السن و الرجال كلهم في الحالة نفسها. آه... إنه مشهدٌ مؤثرٌ فعلاً. حاولت بقدر المستطاع أن أنقذهم و أخفف من حالتهم لكي يرتاحوا قليلاً. بعد بضع دقائق، لمحتُ طفلاً صغيراً مُصابٌ بالشللِ لا يستطيع المشي جالس لوحده في زاوية من القسم، ذهبتُ إليه، جلستُ بجانبه، ثم قلت:
-      آه...لقد تعبتُ كثيراً اليوم، لم أجد أحداً ليتحدث معي.
أجابني الطفل:
-       و أنا أيضاً لم أجد من يتحدث معي.
هنا نظرتُ إلى الطفلِ ثم ابتسمتُ، إنه طفلٌ جميلٌ ذو عينينِ عسليتينِ و شعرٌ بنيٌّ مائلٌ للسواد.
-    -   كم عمرك أيها الصبي؟
-      -  أنا في العاشرةِ من عمري.
مسكين، إنه في العاشرةِ ما يزالُ طفلاً! عَلَيَّ مساعدته. هنا بدأت الحديث مع هذا الطفل. أخبرني قصته و أخبرته قصتي. قصته مأساوية، سأرويها لكم:
"ذاتَ يومٍ، رجعتُ من المدرسة فرحاً بشهادتي الجميلةِ. عندما وصلتُ إلى المنزِلِ لم أجد والدي، انتظرتُ طويلاً، لم يأتِ، جلستُ ثلاثةَ أيامٍ متتاليةٍ أنتظرُ والدي قُربَ النّافذةِ. بعد ذلك، أخذتني أمي مع إخوتي إلى المستشفى، ذهبنا إلى الدور الثاني، الجناح الرابع عشر، الغرفة رقم ثلاثة، لن أنسى ذلكَ أبداً! دخلنا إلى الغرفةِ رأيتُ رَجُلاً نائِماً قي سريرٍ وحولُهُ الكثيرُ منَ الأجهزةِ. ((ما الذي أراه؟! إنهُ...إنهُ...أنهُ أبي! أبي...أبي...أجبني يا أبي...أبي- هذه كانت ردة فعلي عندما رأيته- أبي...أبي انظر لشهادتي لقد حصلتُ على المركز الأول على مستوى المدرسةِ...أبي أجبني...أبي ابتسم قُل شيئاً!!)) كانت أمي منهارةً تَبكي و إخوتي الكبار يحاولون تهدئتي و الدموع تملأ أعينهم. (( ابتعدوا عني ما الذي فعلتموه بأبي ما الذي حصل له أجيبوني حالاً. ما الذي فعلتم بأبي لا تكذبوا عليّ صارحوني)). هنا أخذني أخي الأكبر إلى غرفةٍ أخرى و قام بتهدئتي و أحضر لي كوباً من الماءِ، و عندما هدئت روى لي التالي:
-       -أدري أنك يا مراد لن تتحمل ما سأقوله لك و لن تتحمل أن ترى أبي هكذا...نحن لن نستطيع فعل شيء، لأن هذا ما خبئه لنا القدر، و يجب علينا أن نرضى بذلك.
-       -ماذا تقصد بكلامكَ يا أخي!! أخبرني هيا.
-       -اهدئ يا مراد، المقصود هو...لقد قال لنا الطبيب أن...أن والدي...سـ ...سيبقى في غيبوبة طويلة و من المحتمل أن يموت في أي لحظة.. أنا آسف يا أخي.
-     - مـ ... مـ...ماذا تقول؟! أنت تكذب...أنتم كاذبون...أنتم فقط تريدون أن توصلوني للجنون...أنتم كاذبون.
هنا دخلت أختي الكبرى و الدموع تملأ عينيها الجميلتين..حاولت تهدئتي و قالت لي:
-       لا يا مراد نحن لا نكذب، أنت كبير يا مراد..عليك أن تفهم ذلك.
أجبتها قائلاً:
-       حسناً أخبريني كيف أصبح في هذا الحال أرجوكِ أخبريني.
قبل أن تنطق أختي بكلمة، قال أخي:(( لقد كان والدي ذاهبٌ إلى العملِ كالمعتاد، و عند عودتهِ جاء شابٌّ مسرعٌ جداً جداً و تجاوز الإشارة الحمراء و اصطدم بوالدي و سقطت السيارتين في مكانٍ كبيرٍ و عميقٍ، ولكنّ الشاب لم يتضرر مثل ما تضرر والدي. هذا الذي حدث يا أخي )). انفجرتُ أنا بالبكاء و أغشي عليَّ؛ لأنني أحب أبي كثيراً و لن أتحمل هذا، وعندما أفقتُ و استعدتُ وعيي قالوا لي أنني لم أتحمل الصدمة و أصبتُ بالشلل، حينها ابتسمتُ فالت لي أمي:
-       لماذا تبتسم يا بني و أنت في هذا الحال؟!
أجبتها قائلاً:
-       على الأقلِّ سأكون بِقُربِ والدي.
و بالطبعِ لم ينسوني أهلي، و أختي تعملُ هُنا و هي من تهتم بي، و أخي الكبير يحضر إلي كل ما أحتاجه و أحياناً أذهبُ معهم في رحلاتٍ".
هذه قصة مراد، إنها محزنةٌ حقاً. فجأةً!! تذكرتُ كلامهُ حينما قال:" و عند عودتهِ جاء شابٌّ مسرعٌ جداً جداً و تجاوز الإشارة الحمراء ". استأذنتُ الفتى و ذهبتُ لكي أرى الطبيب و أرى الشاب، انصدمت حينما قال أنه أخي، حاولتُ أن أتمالك نفسي قليلاً، ذهبتُ لأطمئنُّ على حالهُ، آه الحمدلله إنه في حالةٍ جيدةٍ.
جلستُ مع أخي قليلاً و أحضرتُ لهُ الطعامَ و أكل جيداً ثم بدأنا نتبادلُ أطرافَ الحديثِ، أخبرتُهُ عن ذلك الفتى " مراد "، و سألتهُ:
-        -هل الحادث الذي حدث أنت سببه؟
سكت سالم لبرهة؛ تنهد؛ ثم قال بصوت مرتجف و الرعب يتمالكه:
-       نـ ... نـ ... نعـ... نعم إنه أنا! أرجوكِ سامحيني لم أكن أقصد الذنب ليس ذنبي! صدقيني إنه ليس ذنبي.
قلت و أنا أمسح دموعي:
-       ليس ذنبك؟! الذنب ليس ذنبك؟! كيف يكون الذنب ليس ذنبك و أنتَ من كنت تقود بسرعة! و أنتَ من تجاوزتَ الإشارة الحمراء! كيف؟ كيف؟! هيا أخبرني كيف حدث ذلك؟
أجابني و الدموع ملئ عينيه:
-       سأفسر لكي ما حدث. أنتي تعلمين أنني خرجتُ من المنزل غاضباً قبل ستةِ أيامٍ، لقد ذهبتُ للمبيتِ في منزلِ عمي، و عندما رجعتُ من العملِ كان برفقتي اثنانُ من أصحابي، واحدٌ منهم كان طوال الوقت يرغمني على زيادةِ السرعةِ و يحدثني و أنا أقود، و الآخر يزعجني برسائله و بهاتفه و عندما اقتربتُ من الإشارة لم أنتبه للإشارة و أصحابي يصرخون :(( إنها خضراء هيا تحرك)) ، فتحركت بدون أن أعلم أن الإشارة حمراء، و عندما اقتربتُ من السيارة كنتُ سأتصرف و كان الحادث لن يحدث لولا أن صاحبي الجالس بجانبي أمسك بمقود السيارة و وجهها باتجاه اليسار حيث السيارة المقصودة وحدث ما حدث! أرأيتي يا أختي... الذنبُ ليس ذنبي.
سكتّ هنيهة، مسحت دموعي، استأذنت أخي، وذهبت إلى طبيبة والد مراد، أخبرتها أنني أريد المساعدة في الاعتناء به فأذنت لي، فرحتُ لأنني أردت مساعدته فذهبت إليه وكشفت على الأجهزة إذا كان هناك خلل ما فيها، الحمدلله لا يوجد أي خلل، فجأة دخل الطبيب وقال: جهزوا المريض وغرفة العمليات سيدخل في عملية مهمة. جهزنا المريض وغرفة العمليات. بعد بضع ساعات أدخلناه إلى غرفة العمليات، وعندما أردت الدخول إليها أوقفتني شابة جميلة إنها أخت مراد قالت لي:
-        هل هذه العملية خطيرة؟
-       -لا، لا أظن ذلك؟.
-        - حسنا, وأخي مراد هل سيبقى على هذه الحال؟! أنتي تعرفين أخي مراد هل هذا صحيح؟
-         -أجل أعرفه، أعتقد أنه أصيب بالشلل من شدة الصدمة وأظن أنه سيتعافى بعدما يرى أباه معافى.
-         -أتمنى ذلك –أرجوكِ ساعدي والدي للعيش والبقاء من أجل أخي الصغير ومن أجلنا، أرجوكِ.
-       -حسنا لا تقلقي سأذهب الآن.
 عندما دخلت غرفة العمليات كانت نبضات قلبي تزداد سرعة، وكنت خائفة من أن يموت، إنها أول عملية أجريها في مثل هذه الحالات، أتمنى أن أنجح في إتمام العملية. لقد كانت العملية خطيرة بعض الشيء، وفي منتصف العملية؛ حدث ما لم نتوقعه! كدنا أن نخسره، لقد بدأت نبضات قلبه بالانخفاض تدريجيا الجميع يئس ما عداي أنا لم أيأس، فقد حاولت جاهدة على مساعدته. فجأة وبدون سابق إنذار! دخل شاب غرفة العمليات، لا أدري كيف استطاع الدخول لكنه دخل!
-        ابتعد من هنا سيموت الرجل إن لم تبتعد - قال الطبيب.
فأجاب الشاب:
-        كلا لن ابتعد بل أنتم ابتعدوا.
 أَبعَدَنا ذلك الشاب وجلس يحاول إنقاذ الأب من الموت المحقق، فنجح في ذلك! لقد تفاجأنا! كيف استطاع إنقاذه؟! بعد ذلك دخل ممرض وأخذ الشاب إلى خارج الحجرة. بعد بضع دقائق؛ انتهت العملية، والحمدلله لقد نجحت. بعدما  خرجت من غرفة العمليات رأيت إخوان وأخوات مراد وأمه وبعض أفراد عائلته ينتظرون نتيجة العملية خارجاً.
-        -هل نجحت العملية؟ هل أبي سيعيش؟
-        -اطمئنوا، الوالد بخير فقط سيجلس في المستشفى لبضعة أيام للرعاية وللتأكد من عدم حدوث مضاعفات.
 انصرفت من عندهم وذهبت إلى أخي ورويت له ما جرى معي، ثم قال:
-       اليوم جاء صاحبي لزيارتي، صاحبي الذي جلس بجواري في السيارة وقت الحادث، و عندما جلس بجانبي، أخبرتهُ عن العملية المهمة لوالد مراد، و أن الرجل الذي اصطدمنا به كان يمكن أن يصبح كوالد مراد، و السبب مزاحه الثقيل، فظهر عليه الأسف و الحزن، و قال لي أنه ذاهبٌ و سيرجع بعد قليل.
-       -يبدو أنه كان يمزح معك في السيارة و الآن هو لم يحتمل قصة الرجل، إذ تضاعف إحساسه بالذنب.
-       -أجل، يبدو ذلك.
-        -المهم، اليوم ستخرج من المستشفى يا أخي.
-       -آه.. هذا أفضل، لقد تعبتُ من المستشفى، لا أدري كيف تستطيعين العمل هنا.
-        -أنا أحب عملي لذلك أستطيع العمل هنا.
انصرفتُ من عند أخي ذاهبة إلى غرفة والد مراد الذي جلس في المستشفى لعدة أيام فقط، ثم أصبح مُعافى.
كشفتُ عليه و أعطيته دواءه. و عندما حان موعد رحيله، ذهب الطبيب إليه ثم قال له:انظر من جاء لزيارتك.
دخل مراد و هو لا يصدق ما تراه عيناه، والده مُعافى و سيخرج اليوم! هذا يوم رائع! حضن الوالد ابنه و أمسك بيديه الصغيرتين الناعمتين و أوقفه و بدأ يساعده على المشي و استطاع أن يفعل ذلك.
و بينما يستعد مراد و والده للرحيل؛ وقف سالم و أصحابه يشاهدون ما يحصل و هم نادمون على ما فعلوه، فقال سعيد صاحب سالم:
-       (( علينا أن نتعلم من ما حصل لنا أن لا نقود بسرعة أو نزعج السائق أو نتجاوز الإشارة الحمراء، فإن هذا سيؤدي إلى إعاقات أو حالات وفاة، و سنكون سبباً لآلام أُسر، و يتم أبناء )).
-       صحيح يا سعيد.

انصرفوا جميعاً و هم سعيدون بشفاء والد مراد، و عدم تضرر سائق السيارة التي اصطدموا بها... و عدتُ لموقفي و أخي سالم و ندائي له " لا تكن عصبياً هدئ من روعك".. تذكرت خوفي عليه و قلقي بأن لا يكلمني... إنه الغضب يشل تركيزنا، و تفكيرنا، و يجعلنا نتهور... الحمدلله عاد سالم بعد تجربته المؤلمة.

الاثنين، 17 مارس 2014

شوقُ طِفلة

 تَتَأمّل من النافذة التي كانت تصل إلى رأسها الصغير المليء بشتى 
ملامح الطفولة و البراءة، تَنتَظرُ أمّها الحنون التي وعدتها باللقاء من جديد، و لكن الصغيرة جاهلةً عن مكان أمها التي بدورها قد رحلت من الحياة.!!

حاول الكثيرون أن يبعدوا الطفلة من النافذة و لكنهم لا يلبثوا أن يقولوا لها شيئاً إلا و تبكي الصغيرة قائلة: لي أم و لا أحتاج لعطفكم، هي آتية لقد وَعَدَتني.
المسكينة، إنها لا تدري أن القلب الدافئ قد برد..
و أن الربيع قد رحل آخذاً معه كل شيء..
و الشتاء قد حلّ ببروده، و قسوته، و شدّته..
و الوجه الحنون قد اختفى تحت الثرى..
و خيالها الأسود قد ارتوى من الحياة حتّى تعب، و لم يتسنى لها شرب المزيد..

كانت ترى في منامها كل يوم يداً حنونةً تمسك بها و تقودها إلى عالم أشبه بعالم الخيال!! -هكذا وَصَفَتهُ الصّغيرة- ثم ترمي الأخيرة بجسدها الصغير في حضن أمها الدافئ..

إلى أن جاء ذاك اليوم الذي قام فيه سُكّان القرية بجعل ذلك الكوخ الصغير قبراً للطفلة و قد عُلّقت لوحة فوق النافذة تلك و قد كُتِبَ فيها: "شوقُ طِفلة"!!

لا أحد يعلم كيف ماتت و لكنهم أجزموا بأنها كانت مبتسمة و وجهها الصغير كان مشرقاً و قبل أن توافيها المنيّة بيوم؛ خرجت إلى القرية و قامت بإهداء الكُل بعضاً من الزهور الجميلة المحببة إلى أمها!!

الجمعة، 14 مارس 2014

مقالتي الأولى.. غيظي و الكتابة!

لا أدري و لكنني أمتلئ غيظاً حين أسمع أن هناك من يتفوق عليّ في الكتابة!!
أود أن أكون الأولى دائماً و أبداً في كل شيء.!!
خاصّةً في الكتابة!

الكتابة هي عشقي.. هي "أكسجيني" الذي أتنفسه و بدونها فأنا "أنتهي"..من منظوري الخاص فأنا أرى أن الحياة بلا كتابة كالأرض بلا ماء!!
نحن نحتاجها في كل شيء؛ المدرسة، الجامعة، مواقع التواصل الإجتماعية، العمل... و غيرها من الأمور التي تتمحور حولها حياتنا.

عندما أسمع عن شخصٍ لا يكتب؛ تنتابني صدمةٌ مليئة بالتعجب و الإستغراب.. و كأنني أسمع عن شخص لا يأكل أو ينام أو يشرب!!
الكتابة كذلك.. كالنوم و الشرب و الأكل.. كأساس المنزل؛ بدونه يسقط.

عندما تجعل نفسك رهينةً للوحة المفاتيح أو (الكيبورد)؛ و تبدأ بالغوص في الكتابة بالعمق الذي لا ينتهي و لا تريده أن ينتهي؛ و تبدأ أفكارك تطفو واحدةً تلو الأخرى؛ و تتحرك يدك لا شعورياً أو بالأحرى لا إرادياً؛ و عندما تخرج من ذاك العالم و تنتهي مما قمتَ به- ما كتبتَه- و ترى أنك شيّدت قصراً من الشوكولاتة ربما أو من الذهب؛ عندها ستعرف معنى الكتابة و كونك كاتباً.!!

أجل سأكتب باعتباري كاتبة فهذا ما أراه قد ولدتُ من أجله.. "ولدتُ لأصبح كاتبة" و هذا ما عهدتني عليه و سأظل كذلك إلى أن يغدو أجلي.. إلى أن تحل ساعتي.. إلى أن تنقطع أنفاسي

سأنافس الكل لأصبح الأفضل.. غيظي هذا سيقودني إلى القمة، سيحملني إلى الأعالي فلن يقف أحد في طريقي الطويل الوعر المستوي.

عندما تكتب تشعر براحة و كأنك تشكو همك إلى قلمك أو لوحة مفاتيحك، تصبح أكثر شجاعةً و قدرةً على مواجهة أي شيء و أي شخصٍ يعيق طريقك، تصبح أكثر جرأةً من التعبير بلسانك..

عندما تكتب فأنت تنسى كل شيء و تسبح بأفكارك نحو عالمك الجميل.. فهي بحرٌ بدونه يَفنى عالم!!

حتى و إن لم تكن كاتباً اكتب، فهي لن تعيقك عن أعمالك.
على العكس تماماً ستشعر بشعور الإنسان الذي انتهى توًّا من حديثه الطويل مع أحبّ الناس إلى قلبه..